«كل إنسان لديه في أعماقه جانب شرير وجانب خير، وعادة ما يكون الوعي الديني هو الذي يكبح جماح الشر، فإذا وجد الإنسان تسويغا دينيا للمكبوت من الشر، طغى عليه وعلى طبيعته، خاصة إذا كانت تجربته الحياتية ضحلة، ووعيه محدودا وغير ناضج. ظاهرة داعش ضد طبيعة البشر ولا يمكن أن تستمر إلى الأبد إطلاقا». هذا رأي الزميل الكاتب الأستاذ محمد آل الشيخ، في محادثة شخصية. وقد استعرتها لأنها تعبر بشكل دقيق عن الوضع القائم، الشر الذي نراه ويقرن بالإسلام، شيء من البشاعة لم نعرف له مثيلا، ودفع سكان المناطق التي استولى عليها تنظيم شرير مثل «داعش» إلى النزوح والبحث عن ملجأ من هذا الشر الذي هبط عليهم. وما يقوله الكاتب يعبر بوضوح عن الأزمة التي يعاني منها المسلمون اليوم، أن دينهم مختطف من جماعات شريرة، يتحدثون باسمهم، ويملون عليهم تفاسيرهم الدينية في عقائدهم وحياتهم، في حين أن الأديان جاءت تدعو للخير ولطرد الشر من حياة الناس. والإسلام عندما جاء كان رحمة للناس، ودخله أولا المضطهدون من العبيد والفقراء والمستضعفين، بعد أن صار العدل شهرته. من يسمع ويرى كيف غلب المتطرفون على الساحة الدينية يدرك أن الإسلام بمفهومه الذي عرفه الناس قد تغير كثيرًا. استغرقت حالة الانتقال هذه نحو ثلاثة عقود، تم تسييس الدين فيها. التحول الكبير بدأ بالثورة الخمينية في إيران، ثم اتسع بعد استحضار مفهوم «الجهاد» في أفغانستان، وعمّ بسبب استخدام الدين أداة في التنافس السياسي. هنا علا شأن المتطرفين وخبت مكانة المعتدلين الذين كانوا قادة المجتمع دينيا. حتى سلفية اليوم، التي توصم اليوم بأنها مصدر التطرّف وسبب الأزمة، في حقيقة الأمر لا علاقة لها بالسلفية التقليدية التي كانت في الماضي تعتني بالعبادات والمعاملات. سلفية اليوم هجين مع «الإخوانية» السياسية، التي ترفض حصرها في المسجد والمِحْراب. ونتيجة للصراع داخل الساحة الإسلامية غلب المتشددون على المعتدلين، ثم غلب المتطرفون على المتشددين، والآن نحن في مرحلة غلاة المتطرفين. «داعش» هو الشر بعينه وسبق أن ظهر في بداية التاريخ الإسلامي قبل أربعة عشر قرنا، وحاربه المسلمون بعد أن عانوا منه، وفي النهاية انتصروا عليه. ولن ينتصر المسلمون اليوم إلا بمحاربة إسلام المتطرفين، الذي يحرّضهم على الصدام مع العالم، ويدفعهم للعداء مع الطوائف والنحل داخل الإسلام. وستدوم الأزمة ما لم تسعَ قياداته إلى تبني الإسلام المعتدل، الذي يعيد صياغة حياة الناس والمجتمع، ويعيد التوازن الذي أوجده الدين لمحاربة الجانب الشرير. لإنقاذ المسلمين، وإنقاذ العالم، الحل هو في الإسلام المعتدل، كمشروع أكثر أهمية من محاربة «داعش» وسرطان التطرّف. عن الشرق الأوسط