2015-10-27 

اردوغان يسير على خطى بوتين

يتوجه الناخبين الأتراك إلى صناديق الاقتراع في الأول من نوفمبر للانتخابات العامة الثانية في البلاد هذا العام، تلك الانتخابات بلا شك ستحدد مستقبل تركيا هل ستظل على مسار ديمقراطي أم أنها قد تنحرف نحو مستقبل تشكله نسخة أردوغان من البوتينية؟

 

وترى نينا خروشوفا عميدة في جامعة نيو سكول بنيويورك، وكبير زملاء معهد السياسات العالمية، أنّ اردوغان يسير على خطى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لافتة إلى أنّ الكثير من التكهنات تتهم الرئيس التركي  بتعمد تخريب تشكيل حكومة ائتلاف وطنية، حتى يتمكن من الدعوة إلى انتخابات جديدة.

 

وتشير خروشوفا إلى أنّه وبعد العودة إلى انتخابات جديدة، يستخدم أردوغان شعارات قومية، بل وحتى الاقتراح بشن حرب فعلية ضد الأقلية القومية الكردية، بدفع حزبه إلى النصر، قائلة: يذكرنا هذا الخطاب بموقف بوتين المولع بالقتال خلال الحرب الثانية في الشيشان في عام 1999، والتي كانت سبباً في تعزيز شعبيته، وساعدت في جعله منافساً قادراً على العمل كخليفة ليلتسين.

 

 

وبحسب معهد قنطرة  تسلط  كبير زملاء معهد السياسات العالمية الضوء على مقولة اردوغان أن الديمقراطية «مثل القطار»، الذي تنزل منه «عندما تصل إلى مقصدك» مؤكدة أنّ هذا التشبيه سيوافق عليه بوتين بكل تأكيد، فبالنسبة للزعيمين، ليست الأنظمة الديمقراطية أكثر من مجرد أدوات فظة يمكن استخدامها لتعزيز طموحات المرء الشخصية، ثم يتخلص منها وقتما شاء.

 

 

 

تشدد عميدة جامعة نيو سكول على الدور المحوري الذي يمكن أنّ يلعبه الرئيس السابق عبد الله غول في تحديد مستقبل تركيا، مضيفة " يتعين على غول أن يقرر ما إذا كان سيقف وراء الرئيس رجب طيب أردوغان أم سيفضح"

 

 

 وتقول خروشوفا رغم اجماع الأغلبية أنّ تصرفات وقرارات رجل واحد أو امرأة واحدة، مهما بلغ أو بلغت من قوة، لا تستطيع أن تحدد مصير الأمم إلا أنّ هذا لاينطبق على روسيا وربما يتبين لنا قريباً أنه ليس صحيحًا في تركيا أيضاً.

 

 

وتؤكد أنّ اختيارات زعيم فرد قد تؤدي إلى تغيير مسار التاريخ  ففي روسيا، نستطيع أن نتتبع وجود النظام الذي شيده الرئيس فلاديمير بوتين ذاته إلى قرار منفرد اتخذه لأسباب شخصية بحتة رجل منفرد، وهو بوريس يلتسين.

 

 ففيما كان يلتسين يستعد للتنحي عن منصبه كأول رئيس منتخب ديمقراطياً لروسيا، سعى إلى ترك خليفة قادر على حماية سلامته الشخصية وثروته وسلامة وثروة أفراد أسرته في شيخوخته.

 

 

وبدا بوتين، رجل الكي جي بي (الاستخبارات السوفييتية) السابق، أفضل تجهيزاً للاضطلاع بهذا الدور من شخصيات ذات ميول ديمقراطية مثل سيرغي ستيباشين، رئيس وزراء آخر في إدارة يلتسين، والذي لم يُظهِر حماساً كبيراً لحرب الشيشان الأولى عام 1994، ولعل اختيار يلتسين كان مناسباً لأجندته الشخصية، ولكنه أسلم روسيا إلى العودة إلى الحكم الاستبدادي. وبشكل أو آخر، كان يلتسين مسؤولاً عن انفتاح روسيا على مستقبل ديمقراطي وعن إغلاق ذلك الفصل من تاريخ البلاد.

 

والآن يبدو أن مستقبل تركيا أيضاً أصبح بين يدي رجل واحد: الرئيس السابق عبد الله غول. فمع توجه الناخبين الأتراك إلى صناديق الاقتراع في الأول من نوفمبر للانتخابات العامة الثانية في البلاد هذا العام، يتعين على غول أن يقرر ما إذا كان سيقف وراء الرئيس رجب طيب أردوغان. وقد يحدد اختياره ما إذا كانت تركيا ستظل على مسار ديمقراطي أم أنها قد تنحرف نحو مستقبل تشكله نسخة أردوغان من البوتينية.

 

الواقع أن غول وضِع في هذا الموقف الحرج لأن حزب أردوغان الحاكم، حزب العدالة والتنمية، فشل في الانتخابات الأخيرة التي عقدت في يونيو في الفوز بأغلبية حاكمة، ناهيك عن الأغلبية الدستورية التي من شأنها أن تمكن أردوغان من تحويل النظام البرلماني في تركيا إلى نظام رئاسي، وبعد الانتخابات.

 

 

 وتوضح  كبير زملاء معهد السياسات العالمية أنّ هناك فارق واحد كبير بين بوتين وأردوغان.

 

فبمجرد ابتعاد يلتسين عن الطريق، لم يكن بوتين معتمداً على أي شخصية أخرى؛ بل كان سيد الكرملين، والحكم النهائي في النزاعات بين الشخصيات والعشائر التي تتألف منها النخبة الروسية في مرحلة ما بعد الاتحاد السوفييتي.

 

 أما أردوغان فهو على النقيض من هذا كان له شريك في تشكيل حزب العدالة والتنمية، وهو عبد الله غول. وقد حافظ غول، على النقيض من يلتسين، على تأييده السياسي القوي والمخلص منذ ترك منصبه.

 

عندما فاز حزب العدالة التنمية ــ الذي دافع عن شكل معتدل من الإسلام السياسي والذي تحدى العلمانية التي سادت منذ تأسيس تركيا الحديثة ــ بأول انتخابات في عام 2002، كان غول، الذي شغل منصب رئيس الوزراء، لأن أردوغان كان ممنوعاً من شغل أي منصب سياسي في ذلك الوقت.

 

وقد دفعت الإصلاحات الاقتصادية وغيرها من تدابير التحرير التي تمت تحت قيادة غول كثيرين إلى الاعتقاد بأن حزب العدالة والتنمية قادر على خلق شكل من أشكال الإسلام السياسي أقرب إلى الديمقراطية المسيحية الأوروبية.

 

ولكن عندما تولى أردوغان منصب رئيس الوزراء في عام 2003، كان غول قد نحي إلى الظلال فعليا (ذلك أن منصب الرئاسة في تركيا في ذلك الوقت كان منصباً شرفياً إلى حد كبير). وفيما عمل أردوغان، كما فعل بوتين، على تركيز السلطة بين يديه، بدأت إنجازات غول الاجتماعية والاقتصادية تتفكك. ولم يعد أحد يتحدث عن حزب العدالة والتنمية الآن باعتباره نموذجاً يحتذيه الديمقراطيون المسلمون.

 

 والواقع أن العديد من كبار أعضاء حزب العدالة والتنمية الذين ساعدوا حكومة غول في تحقيق النجاح تركوا الحزب ــ أو طُرِدوا منه.

 

في كتابه «لمحات من الشجاعة»، كتب جون كينيدي أنه في عالم السياسة تأتي لحظة عندما «يتعين على الإنسان أن يفعل ما يتعين عليه أن يفعله ــ برغم العواقب الشخصية، وبرغم العقبات والمخاطر والضغوط».

 

 

بوسع غول أن يلتزم الصمت ويراقب صديقه وشريكه السياسي السابق وهو يسير على خُطى بوتين الاستبدادية ويستهزئ بالجهود التي بذلها لكي يثبت للعالم أن الإسلام قادر على التعايش مع الديمقراطية والحداثة والتسامح. أو يمكنه أن يخرج مكنون صدره فيتحدث صراحة وعلناً ضد خطط أردوغان، فيساعد بالتالي في الحفاظ على عمل حياته، بل والأهم من ذلك، الحفاظ على نظام بلاده الديمقراطي. وهذه اللمحة من الشجاعة هي على وجه التحديد ما تحتاج إليه تركيا اليوم.

 

 

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه