2016-01-11 

حكومة تحت جنح الظلام

سمير السعداوي

 

الحياة- على طريقة «كاد المريب ان يقول خذوني»، حطت «حكومة الصخيرات» في مصراتة في «جنح ليل سابك الأحلاك»، وشقت طريقها تحت حماية جيش من المسلحين الملثمين الى مدينة زليتن المجاورة، ثم انتعلت «خفيّ حنين» لتعود الى منفاها التونسي، غانمة فائزة بما ارتضته من قسمتها في تقديم العزاء بضحايا التفجير الارهابي الذي ضرب المدينة. وكان الله يحب المحسنين... صدّعت المجموعة الدولية رؤوسنا ونفخت آذاننا بتكرار اسطوانة مشروخة عن الميليشيات، أوليسوا ميليشيا اولئك المسلحون الملثمون الذين كانوا برفقة حكومة الصخيرات والذين صوبوا أسلحتهم في اتجاه تظاهرة مناهضة لـ «الوصاية الدولية»، وقيل انهم اعتدوا بالضرب والتهديد والوعيد على بعض المتظاهرين؟ ولولا تدارك الأمر من جانب السلطات الفاعلة على الأرض، لانتهت المغامرة بما لا تحمد عقباه.

 

لم يتبق أحد من «الانتليجنسيا» لم يزر تونس خلال الفترة الأخيرة، إلا من لم تسعفه ظروفه. ألم يكن هؤلاء مناهضين لما اعتبروه تدخلاً اجنبياً في العراق وقبله أفغانستان، وأمعنوا أقلامهم وبحوا أصواتهم بعدها، في هجاء «حكومات الوصاية» في البلدين، فكيف يستقيم الأمر معارضة شرسة هناك ومديحاً وإطراء هنا؟ ولا تسل عن «ازدواجية المعايير»! كل ما تقدم تنتفي أهميته، إزاء إغداق الوعود الأوروبية بمساعدات، بمئة مليون يورو الى بلاد تطفو على مخزون هائل من النفط واليورانيوم، ويعيش سكانها منذ عقود، على الكفاف، إلا المحظيين ومن لف لفهم. من سيتسلم تلك المساعدات معروف. لكنْ من سيتكفل بتوزيعها وإيصالها الى المحتاجين فعلياً، وهل يتبقى منها شيء بعد اقتطاع مصاريف الحكومة وتكاليف رحلاتها المكوكية وإقاماتها في كل دول العالم، باستثناء تلك التي يفترض بها التواجد على أرضها؟ والسؤال الأهم، الى متى تستمر مساعدات خارجية لحكومة مشكّلة دولياً، ذلك ان ثمة تعقيدات جديّة تستدعي النظر في أهلية حكومات المنفى من منظور القانون الدولي، في تسييل أرصدة او التعاقد على بيع موارد، وفي تلك الحال المورد الوحيد لرزق الليبيين، النفط الذي تتهدده «غزوات داعش» وتراجعت صادراته في كل الأحوال الى أدنى مستواياتها، في ظل صراعات مستمرة منذ أشهر، للسيطرة على «الهلال النفطي».

 

ثمة مؤسستان سعت «المجموعة الدولية» جاهدة الى تحييدهما في الصراع، وهما «المؤسسة الوطنية للنفط» و «المصرف المركزي»، ويفترض بهما ان تتبعا الحكومة المشكلة دولياً بعد استكمال اجراءات تثبيتها ومباشرة عملها من مقرها المحدد في العاصمة طرابلس، وإلامَ سيؤول مصير المؤسستين ما لم تُستكمَل شروط تولي الحكومة العتيدة مقاليد السلطة؟ وفي مراجعة على عجل لنماذج حكومات المنفى عالمياً، تجد ان تأثيرها يتضاءل عملياً، ما لم تنجح في العودة سريعاً الى بلادها وتبسط سلطتها على أرجائها، بخلاف الحكومات المنبثقة عن انقلابات والتي تفرض وجودها سريعاً وتنتزع الاعتراف بسلطتها على الأرض. وتلك مفارقة يتعيّن التمعّن فيها ايضاً. أما المأزق الآخر، فيتمثل بنجاح حكومة المنفى في العودة الى جزء من البلاد، فذلك يحولها الى طرف في مواجهة مع سلطات الأمر الواقع في الجزء الخارج عن سيطرتها، ما يعيد الصراع الى المربع الأول!

 

في المقابل، فإن «المجموعة الدولية» المنهمكة بقضيتي الإرهاب ومواجهة تدفق اللاجئين، لن تكون معنية كثيراً على الأرجح، بترتيب شؤون البيت الداخلي الليبي الذي لا يزال يدار بأسلوب «أنا أعمى ما بشوف أنا ضراب سيوف»...

ولا يبقى للمواطن البسيط الساعي الى رزقه واستقراره سوى أن يردد كما فعل دوماً: «حالات الزمان عليك شتى وحالك واحد في كل حال».

 

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه