الرياض - حين عاد "روح الله مصطفى أحمد الموسوي الخميني" إلى إيران "ثائراً" من منفاه الأوروبي "باريس" في اليوم الأول من شهر فبراير سنة 1979 لم تثر تفاصيل عودته كثيرين وقتها. ولكن القلّة التي قرأت الصورة وتابعت تفاصيل المشهد تذكر أنّ "الإمام" عاد في حماية المخابرات الفرنسيّة وعلى طائرة الإيرباص التابعة لشركة "اير فرانس".
ويذكر البعض قبلها كيف تم إبراز "الخميني" في الإعلام الأوربي كزعيم روحي يوزّع الزهور والحلوى في أعياد الميلاد على جيرانه الفرنسيّين ضمن برنامج صناعة صورة الزعيم المتسامح "الزاهد". أميركياً لم يكد ينتهي عام الثورة الأول حتى احتلّ "الخميني" غلاف مجلة تايم الأميركيّة بوصفه رجل عام 1979م. ومن الطرائف أن هذا التمجيد الأميركي الظاهر في صورة النقد أتى عقب اقتحام مجموعات من الإيرانيين في نوفمبر عام 1979، للسفارة الأميركيّة في العاصمة طهران واحتجاز 53 رهينة مدة 444 يوماً مطالبين بإحضار الشاه ومحاكمته.
ولم تستطع مظاهر العداوة الناعمة إخفاء محطات الدعم السريّ والعلنيّ الغربيّ لهذا النظام في أشد حالات النفاق السياسي وضوحاً في العصر الحديث. ولا يمكن في هذا المجال – على سبيل المثال- نسيان حقيقة أنّه على الرغم من احتضان باريس ولندن لمجموعات من المعارضين من مختلف دول الشرق الأوسط خلال العقود الماضية إلا أن "دهاقنة" العاصمتين ساهموا بشدة في عرقلة أي نشاط ضد حكومة الملالي. بل لقد رفضت وأعاقت فرنسا وبريطانيا قرار محكمة العدل الأوربيّة الصادر في 12 ديسمبر 2006 القاضي بشطب اسم منظمة "مجاهدي خلق" المعارضة لنظام الملالي من لائحة المنظمات الإرهابيّة.
وقد استمر التغافل البريطاني المريب عن سلوك الملالي غير الإنساني في معظم الأوقات ومن أبرزها ما حدث عام 1980 حين استولى مسلحون إيرانيون على السفارة الإيرانيّة في لندن، وأخذوا 26 رهينة ثم قتلوا أحد الرهائن وألقوا بجثته من أحد نوافذ السفارة. وكذلك ما حدث عام 2011 في أعقاب اقتحام غوغاء إيرانيّين للسفارة البريطانيّة في طهران وتهشيم النوافذ وإضرام النار في ممتلكاتها وإحراق الأعلام البريطانيّة. أمّا في ملف حقوق الإنسان فالعين البريطانيّة ومعها الغربيّة لا ترى في مئات الضحايا على رافعات الإعدام في المدن الإيرانيّة أمراً يستحق فضول السؤال ناهيك عن فضيلة الاحتجاج.
في الشأن الأميركي الإيراني يبدو الموضوع من سخريات السياسة المعاصرة حيث لم يتوقف الدعم الأميركي لصعود الملالي في الحياة السياسيّة منذ أيام الشاه حتى قطف "الخميني" الثمرة فيما بعد. ثم كانت فضيحة "إيران كونترا" في الثمانينيّات كاشفة لزاوية مهمة من علاقة "الملّا" مع "الكاوبوي". ولكن التفاصيل الأعمق للخصومة الناعمة سردها "Trita Parsi" مؤلف كتاب "التحالف الغادر" Treacherous Alliance الذي رصد العلاقات السريّة بين إيران من جهة وكل من إسرائيل والولايات المتحدة من جهة أخرى خلال أكثر من 50 عاماً مؤكدا أن الخلافات الأميركيّة الإسرائيليّة مع إيران لا تصل إلى الخلاف الاستراتيجي. واليوم لم يفسّر المؤرخون المعاصرون بعد مصلحة الولايات المتحدة والغرب في تسليم نظام الملالي مقاليد "ثلاث" دول عربيّة، وهل فعلاً كان الضمان "الفارسي" لأمن إسرائيل ثمن هذا الامتياز الغربي للملالي.
قال ومضى:
كيف أعاتبك وأنت لا تملك وضوح الأعداء، ولا تتمتّع بنبل الأصدقاء.