الحياة - اتفاق وقف إطلاق النار الذي توصلت إليه واشنطن وموسكو ويفترض أن يدخل حيز التنفيذ منتصف ليل غد الجمعة، ينطوي على خللين فادحين، سياسي وعسكري، سيفضيان في حال عدم التصدي لهما إلى دفع المعارضة السورية نحو مرحلة من الاقتتال تؤدي إلى مزيد من التفتت في صفوفها، على طريق إنقاذ نظام بشار الأسد بموجب تفاهم ثلاثي أميركي – روسي – إسرائيلي.
والخلل في جانبه النظري - السياسي المتشعب يكمن في إطلاق الاتفاق على نظام بشار الأسد تسمية «الجمهورية العربية السورية» وحصر تمثيلها به. فالمعارضة التي تقاتل النظام بهدف تغييره لا تخرج عن إطار هذه الجمهورية ولو تبنت منظوراً سياسياً مختلفاً، وتصنيفها خارج هذه التسمية يعني نزع الشرعية التمثيلية عنها وتصويرها كأنها طرف خارجي يسعى إلى إطاحة الدولة بمفهومها العميق الواسع وليس النظام.
وإذا كان الأميركيون والروس يتذرعون بأن الأمم المتحدة لا تزال تعتبر نظام الأسد الممثل الشرعي لسورية، فإن هذا النظام هو من سعى منذ بداية الثورة إلى الخلط بين الدعوة إلى التغيير وبين تفكيك الدولة السورية، عبر تصويره المعارضين بأنهم «إرهابيون مرتبطون بالخارج» هدفهم القضاء على سورية وليس إلغاء الاستبداد فيها. ولنا أن نسأل كيف تضفى صفة الدولة الشاملة على نظام تحدث رئيسه علناً عن التقسيم وعن إقامة «سورية المفيدة» التي تكرس الفئوية والمذهبية التي يمارسها في مختلف مستويات الحكم ومؤسساته؟
وسرعان ما سعى الأسد إلى الاستفادة من هذا الخلل في الاتفاق بالدعوة إلى انتخابات تشريعية في نيسان (ابريل) المقبل، ليكرس «سورية» المناطق الخاضعة لسيطرته فقط، لأنه يعرف استحالة إجراء انتخابات في مناطق نفوذ المعارضة أو «داعش».
ويطاول الخلل السياسي أيضاً تغطية دور الميليشيات الشيعية الايرانية واللبنانية والعراقية والأفغانية التي تقاتل إلى جانب النظام، والاكتفاء بالإشارة إليها على أنها «القوى الداعمة لقوات الحكومة السورية»، وكأنها قوى محلية لم تأت من الخارج، وإضفاء صفة ملتبسة على دورها، وبالتالي على كيفية التعامل معها في حال صمد وقف إطلاق النار واستؤنفت المفاوضات السياسية.
وفي المجال العسكري، نص الاتفاق على استمرار العمليات ضد «داعش»، وهو أمر يلقى تأييداً دولياً واقليمياً ومحلياً واسعاً ولا جدال فيه، لكن الاستثناء من وقف النار شمل ايضاً «جبهة النصرة» على رغم معرفة الطرفين الاميركي والروسي بالتداخل الشائك بين مواقع انتشار الأخيرة وبين مواقع قوات المعارضة المعتدلة، وخصوصاً في مناطق حلب وإدلب وجنوب دمشق. ويعني هذا أن مناطق المعارضة ستكون عرضة للقصف الروسي بالتأكيد، وربما الاميركي أيضاً، بحجة قتال «النصرة». أي أن الخيار المطروح على المعارضة هو «تطهير» مناطقها من وجود الجبهة كي لا تتعرض للقصف، وبكلام آخر فتح باب الاقتتال على مصراعيه لمزيد من تفتيت المعارضة وتناحر فصائلها، خصوصاً أن الاتفاق يبقي المجال مفتوحاً أمام إدراج المزيد من المعارضين في لائحة «الإرهاب» التي سيحددها مجلس الأمن لاحقاً بموجب التفاهم إياه بين الأميركيين والروس.
يشكل الاتفاق محاكاة للتجربة العراقية، عندما تم تسهيل انتشار «القاعدة» ثم «داعش» في المناطق السنية، وصار مطلوباً من السنة أنفسهم التخلص منهما وفق ابتكار «الصحوات» الاميركي، فيما ايران المسيطرة على القرار السياسي في بغداد تتفرج بانتظار أن ينهك القتال جميع معارضيها المعتدلين منهم والمتطرفين.
ويتماشى هذا المسار مع النهج الذي تتبعه موسكو في إنكار الفوارق داخل «جبهة الأعداء» والذي طبقته في الشيشان وفي الداخل الروسي حيث تستعدي كل من لا يبصم بالعشرة على سياسات بوتين ويخضع لها، وينسجم ايضاً مع سياسة التملص الاميركية القائمة على التهويل بالتهديد الإرهابي والتغاضي عن كل ما عداه، وهو جوهر العلاقة التاريخية بين الولايات المتحدة ونظام عائلة الأسد في خدمة أمن إسرائيل.