العرب - لم يتمتع حزب الاتحاد الديمقراطيي بزعامة صالح مسلم، بشعبية واسعة بين السوريين الأكراد طوال المرحلة التي سبقت اجتياح تنظيم داعش لمدينة عين العرب (كوباني) نظرا لعلاقاته مع النظام وأجهزته الأمنية، وبسبب مساهمته في قمع التحركات والمظاهرات الشعبية التي شاركت فيها مدن وقرى محافظة الحسكة وخصوصا القامشلي وعامودا، المدينتان اللتان تلقفتا الانتفاضة منذ بداياتها الأولى وقدمتا العديد من الشهداء والمصابين والمختطفين والمعتقلين الذين كان لصالح مسلم وحزبه- الميليشيا دور أساسي في التنكيل بهم، ما دفع النظام إلى تسليمه مناطق وأحياء كلما ازدادت الضغوط عليه.
والجميع يذكر كيف كانت ميليشيا صالح مسلم تختطف الناشطين (أكرادا وعربا)، وترسلهم بالطائرات إلى دمشق ليعتقلهم النظام.
فهل كان الهدف الحقيقي من اجتياح تنظيم داعش لمدينة عين العرب (كوباني) ولهجماته المتكررة على مناطق تسكنها غالبية كردية، ثم الدعم الفعلي والمباشر لميليشيا صالح مسلم المعروفة باسم وحدات حماية الشعب، من قبل القوات الجوية الأميركية، ثم الضغط الأميركي على قيادة إقليم كردستان العراق وعلى تركيا لقبول إدخال قوات من البيشمركة العراقية إلى جانب وحدات حماية الشعب من أجل تخليص كوباني من براثن التنظيم، هل كان كل ذلك يهدف إلى تعزيز سطوة صالح مسلم وحزبه وقواته على المناطق ذات الوجود الكردي الكثيف في الشريط الحدودي شمالي سوريا، ليصبح من السهل تسميته ممثلا لأكراد سوريا لا يمكن تجاوزه، وبالتالي فرضه في أي مفاوضات نهائية تقرر مصير البلاد؟
إلى أين يحاول صالح مسلم أن يأخذ أكراد سوريا؟ بل إلى أين تحاول الولايات المتحدة أخذهم؟
فبعد معارك عين العرب أصبحت وحدات حماية الشعب كناية عن جيش مصغر يتلقى مختلف أشكال الدعم من الأميركان بما في ذلك الدعم اللوجستي والتسليحي والتدريبي، والسياسي أيضا حيث كان وزير الخارجية الأميركي أعلن أنه لا يمكن اعتبارها منظمة إرهابية كما صنفتها الحكومة التركية ما أثار حفيظة الأخيرة، فجاء التصريح الشهير للرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي خيّر فيه واشنطن بين التحالف مع تركيا أو التحالف مع الإرهاب. وباتت لتلك الوحدات أجهزة أمنية تلاحق المعارضين إلى درجة أن أنصار الحزب الديمقراطي الكردستاني في مناطق سيطرتها قاموا بإحياء ذكرى الزعيم الكردي مصطفى البارزاني سرا في أماكن مغلقة خشية ملاحقتهم والاعتداء عليهم.
هذا الحدث يؤكد الطبيعة التسلطية لهذا الحزب ونهجه الإقصائي والإلغائي حيال معارضيه والمختلفين معه، وبالأخص في ظل كل هذا الدعم الذي يتلقاه من الأميركان، والآن من الروس أيضا.
وإذا كان الدعم الروسي الذي جاء مؤخرا يمكن اعتباره في إطار توظيف قوات حماية الشعب في القتال في وجه المعارضة السورية المسلحة لمحاصرتها ولقطع طرق الإمداد عنها، وهذا ما جرت محاولته خلال الأسابيع التي سبقت الهدنة الراهنة، فاحتلت تلك الوحدات مدينة تل رفعت ومطار منغ وسواهما متقدمة باتجاه أعزاز، فإن الدعم الأميركي الذي حازت عليه وحدات صالح مسلم بحجة قتال داعش دون سواها من القوات التي حاربت التنظيم وهزمته في مناطق مختلفة، (المعارضة السورية المسلحة)، يطرح أكثر من علامتي سؤال وتعجب في آن. خصوصا أن الحكومة التركية حين انخرطت في التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش كانت اشترطت، في الوقت نفسه، اعتبار ميليشيا وحدات حماية الشعب التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي منظمة إرهابية، وأعلنت محاربتها.
وإذا كان الروس ينظرون إلى قوات حماية الشعب كقوة بإمكانها السيطرة على الشريط الحدودي بين سوريا وتركيا، وبالتالي إغلاق الحدود بين البلدين وقطع طرق الإمداد بشكل نهائي عن المعارضة السورية المسلحة، فإن موقف واشنطن المبهم، في وقت بادرت قواتها إلى توسيع مطارين زراعيين اثنين في محافظة الحسكة حيث تسيطر هذه الوحدات وتحويلهما إلى مطارين عسكريين بدأت طائرات القوات الجوية الأميركية باستخدام أحدهما اليوم، يثير الكثير من التساؤلات.
وربطا بالموضوع نفسه، قد نجد تفسيرا مرعبا للسياسة الأميركية حيال أكراد سوريا، وحيال المطالبات المتكررة للحكومة التركية بإقامة منطقة عازلة وآمنة على الحدود غربي الفرات، تكون ملجأ للنازحين، يتيح لهم الإقامة الآمنة بعيدا عن اللجوء إلى أراضيها واستخدامها كمنصة للهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، التي رفعت الصوت نتيجة اللجوء الكثيف من سوريا وسواها والذي بات يهدد بأزمة اجتماعية وسياسية خطيرة هناك.
قد يدعم التفسيرَ نفسَه الموقفُ الأميركي من خطة التدخل البري السعودي – التركي لمحاربة داعش في سوريا. هذا التدخل الذي سيخترق حكما منطقة النفوذ الخاصة بوحدات حماية الشعب وحزب الاتحاد بزعامة صالح مسلم. فما الذي تريده بالضبط أميركا من أكراد سوريا؟ إلى أين تحاول أخذهم؟.
كلنا يتذكر المبادرة الروسية التي أدت إلى تسليم نظام الأسد ترسانته الكيمياوية بعد مجزرة الغوطة. هذه المبادرة التي جنبت الولايات المتحدة التدخل العسكري المباشر المزعوم ضد النظام. فهل أتى الطرح الروسي الأخير للفدرلة في سوريا كمقدمة للحل نتيجة “إشارات” أميركية مماثلة؟ وهل تحاول الولايات المتحدة خلق إسرائيل ثانية في المنطقة؟ “كانتونا” كرديا غير قادر على الحياة دون دعم دائم من أميركا؟ “كانتونا” وظيفيا للاستعمال الخاص بزعامة صالح مسلم يقع بين فكي كماشة عربي وتركي؟.
من هنا وجب ويجب تنبيه أكراد سوريا من تلك الاحتمالات الخطيرة. صالح مسلم الذي يثير أقصى حالات العداء مع العرب خصوصا عبر تهجير قرى بأكملها في تل أبيض وريف الرقة الشمالي وريف عفرين، إضافة إلى حالة العداء المستحكم بينه وبين تركيا، صالح مسلم الذي لا يمثل أكراد سوريا وينبغي ألا يمثلهم، يفرض، بخياراته السياسية المتهورة على جميع القوى السورية الكردية أن تتوحد وتنظر بعين الخطورة إلى الموقف كون تراخيها وتذررها وتخاذلها أسهم في الوصول إلى حافة الخطر.
وهنا، يجب لفت وسائل الإعلام إلى خطورة استخدام المصطلحات. فالأكراد ليسوا صالح مسلم وحزبه، وليسوا وحدات حماية الشعب التي يتزعمها. والمناطق الخاضعة لسيطرتهم ليست المناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد. والأكراد تمثلهم جملة من الأحزاب والقوى السورية والكردية وهم ممثلون في المعارضة السياسية وفي المعارضة السورية المسلحة وفي شباب الثورة السورية ومطالبهم جزء من مطالب الشعب السوري وهدف من أهداف ثورته.