تستمر مظاهرات العراقيين للشهر الثاني على التوالي في سعيها لإنجاز إصلاح حقيقي في العملية السياسية، وأعلنت جماهير محافظة كربلاء في مظاهرة الجمعة مطالبها الأساسية والتي تلخصت في إصلاح القضاء وتنفيذ إصلاحات الحكومة التي تأخرت رغم إقرار مجلس النواب لها قبل أكثر من شهر. وشهدت بغداد لأول مرة قيام أحد المتظاهرين بالإضراب عن الطعام حتى انجاز الاصلاحات، كل هذا الحراك الشعبي العراقي الذي ابتدأ في نهاية تموز الماضي واكتسب زحمًا كبيرًا دفع رئيس الوزراء حيدر العبادي إلى اصدار مجموعة من الحزم الاصلاحية مع مرور عام على تشكيل حكومته، أهمها إقالة نوابه ونواب رئيس الجمهورية وصدر بعدها مباشرة تقرير لجنة سقوط الموصل البرلمانية التي حملت رئيس الوزراء السابق نوري المالكي المسؤولية عن ذلك. وبحسب روسيا اليوم أعلن المرجع علي السيستاني هذه التحركات ودعى إلى الضرب بيد من حديد على الفاسدين إلا أن العبادي واجه معوقات من سلفه المالكي وزعامات الحشد الشعبي التي رات أن معطيات حراك الشارع وإقصاء المالكي تصب في غير صالح معركتها مع داعش وهي تسعى لافشال مسيرة العبادي الإصلاحية من خلال استهداف الناشطين اغتيالا واعتقالا وتهديدا ورفع لخيم المعتصمين. وفيما تحاول سفينة الاصلاحات شق طريقها داخليًا يشهد الجوار الخليجي حراكًا آخر باتجاه دفع سفينة مصالحة وطنية عراقية تعطلت منذ أن تم إجهاض مؤتمر المصالحة الوطنية العراقية التي رعته الجامعة العربية في القاهرة في تشرين الثاني 2005. و شهدت الدوحة في 2-9-2015 لقاء تشاوريًا لمعارضين عراقيين برعاية قطرية ودعم أمريكي وبموافقة رئيس الوزاء حيدر العبادي. يهدف اللقاء كما قال متابعوه للخروج بخارطة طريق وعقد مؤتمر مصالحة وطنية، ووصل رئيس مجلس النواب الدكتور سليم الجبوري إلى قطر أثناء انعقاد المؤتمر مع نواب اخرين وسبقهم الى هناك بصورة غير معلنة مسؤولون من حزب الدعوة أيضا. ثم زار رئيس مجلس النواب طهران حيث أطلعهم على مخرجات اللقاء التشاوري ولم تعلن إيران موقفا بعد من هذا الحراك. وبسبروسيا اليوم تفيد الأنباء أن الرياض ستشهد قبل نهاية العام الجاري مؤتمرا آخر مشابه لبلورة رؤية باتجاه معالجة الأزمة العرقية في إطار وطني يصلح الخلل الذي حصل بعد 2003 يتماشى مع ذلك أن سفراء قطر والسعودية سيباشرون عملهم في بغداد بعد عيد الاضحى. الحراك العراقي الداخلي المترافق مع الحراك الإقليمي يشير بوضوح إلى تعاضد مسيرة الإصلاح مع المصالحة برعاية دولية إقليمية خصوصا وأن العراق يعاني من أزمتين بعضها فوق بعض. فمرحلة 2003-2006 تحتاج إلى مصالحة فقد شهدت احتلالا ونقضًا للدولة وانقساما سياسيا ومشارك وكتابة الدستورالذي تضمن مخاوف البعض من الماضي والمستقبل بغياب المعارضين للعملية السياسية الذين حاولوا عقد مؤتمر مصالحة في نهاية 2005 إلا أن الحكومة رفضت مطالبهم. وبرفض المصالحة ابتدات مرحلة ثانية امتدت من 2006-2014 في ظل نوري المالكي الذي لم ينفذ أي اتفاق سياسي مع الشركاء في العملية السياسية سواء منها اتفاق 2006 أو وثيقة المصالحة السياسية التي أقرها البرلمان مع اتفاقية الانسحاب في 2008 او اتفاق اربيل بعد انتخابات 2010. كما أن المالكي لم يستجب لمطالب حراك محافظات الوسط والغرب في 2013 وكان قد فشل في استيعاب ودمج الصحوات الذين قاتلوا القاعدة في 2007، ما أدى إلى عودة داعش وسقوط نينوى وتمدد الإرهاب وانتشار الفساد. ووفقا لروسيا اليوم فإن المرحلة تحتاج إلى إصلاح كما أن التي سبقتها تحتاج إلى مصالحة، ويبدو أن سفن الحراك الشعبي الحالي باتجاه الاصلاح وبعد الاتفاق النووي قد فُتح لها الطريق لتلتقي مع سفينة المصالحة في ظل أجواء التوافق الدولي والاقليمي التي تبدو أنها أقرب من أي وقت مضى منذ 2003، ويقول العراقيون عسى أن يكون ذلك قريبا.